Tuesday 18 June 2013

إرهاب فلسفي !

إرهاب فلسفي !


يصحو فجأة ليجد عنقه مكبلا بسلسلة حديدية دون أن يدرك مالذي يجري من حوله. لقد أغلقت عيناه و خيطت جفونه جراحياً! في نهاية السلسلة المقابله  تصحو الضحية الأخرى؛ رجل منهك كبلت عنقه بالطرف الاخر من السلسلة، ولكنه هذه المرة يرى و يدرك الكابوس المرعب من حوله: ضحيتان ملقيتان في أطراف غرفة ما و في وسط السلسلة منشار كهربائي يسحب الطرفين معا نحو حتفهما! يصيح "الأعمى" طالبا من الاخر أن يصف له مالذي يحدث، يحاول الاخر بائسا أن يفعل ذلك، لكنه يعجز فقد خيطت شفتاه جراحيا... معضلة فلسفية  مرعبة! يتخبطان معا حتى يقتل الأقوى الأضعف فيُسحب الى المنشار، وينتهي الامتحان الدارويني وتتوقف الة القتل! و من جديد يتحفنا الابداع الغربي بنوع جديد من الارهاب... "الارهاب الفلسفي"!

كان ذلك مقطعا من فيلم "المنشار 4 " الأمريكي الصنع. وفي فيلم اخر -أكثر مرضاً- يحاول جراح نازي مختل العقل أن يحقق حلمه في أن يصنع دودة بشرية، بأن يقوم جراحياً بربط فم الضحية الاولى بنهاية الجهاز الهضمي للضحية الثانية، و هكذا حتى يخلق دودة بشرية يستعبدها كما يشاء!! فاشية مرعبة! و يتفاخر مخرج الفيلم أن الفكرة ممكنه من الناحية الطبية ! ويتحدى المخرج أن الجزء الثاني من الفيلم سيحتوي صورا مرعبة ستجعل من الأول أضحوكة. و قد صدق. فقد منع فيلمه الثاني من العرض في دول اوروبية كبريطانيا، ولكنه عرض بعد أن وافق على حذف 30 مشهدا. ولك أن تتخيل القدر المرعب من المحتوى الذي يجعل دولة تقدس حرية التعبير على أن تمنع هذا الفيلم من العرض. وفي الحقيقة هذه الثلاثة أفلام ليست سوى أفلام ضعيفة لم ترتقي الى لائحة الأكثر عشرة أفلام مرضا التي تم إنتاجها في تاريخ العالم والتي لا أنصح أبدا بالاطلاع عليها حتى لاتفقد جزءا من ادميتك! و لا أعلم في أي كون نعيش و حولنا أناس يحملون فكرا "إرهابيا" نعجز حتى أن نتصوره. ولا أدري أيضا اذا كان نقاش حرية التعبير والابداع التخيلي في هذه الأمثلة إهانة أم أمرا يجب احترامه.

صورة لإحدى الأفكار المريضة التي تحملها تلك الأفلام

وفي الحقيقة لم يكن هذا احتكارا على العقل الغربي، فالشرق الأقصى و الأفلام اليابانية تعتبر مرجعا منقطع النظير في ذلك. و لا أدري في الواقع اذا كان هذا ارهاباً في عالم الأفلام فقط أم أن له انعكاسا في واقعنا. ففي الفيلم الصيني الشهير "رجال خلف الشمس " يصور الفيلم صورا تشيب لها الولدان عن تجارب الأسلحة البيولوجية التي كانت تقوم بها المختبرات اليابانية على البشر إبان الحرب العالمية الثانية فيما كان يعرف ب"الوحدة 731" في الجيش الياباني. وهذا الفيلم لم يكن إلا توثيقا لبعض هذه الجرائم التي مارسها بعض "علمائهم". ولم تُعرف جرائمهم إلا بعد أن اعترف بعضهم بذلك بعد أن بقي جزء صغير من فطرته الانسانية يأنبه أو ربما يحاول الفرار منه! و المرعب المخزي أن بعض "أطباء التعذيب" لم يعاقبوا، بل منحوا رتبا و وظائف مرموقة في الوزارات –بعد نهاية الحرب- نتيجة للخبرة "العميقة" التي اكتسبوها من وراء تلك التجارب الحقيرة. و قد عرضت الولايات المتحدة الأمريكية الحصانة لبعضهم مقابل تهريب نتائج الأبحاث التي توصلوا لها متجاهلين بذلك أي قيم انسانية، وضاربين بمبدأي العدل و المنطق الانساني عرض الحائط.  ليجعل من السياسة الأمريكية واحدة من أكثر السياسات إرهابا من الناحية الفكرية في وقتنا. وفي جريمة بعيدة عن السياسة، يخطف ويسجن ثلاثة مجرمين في الولايات المتحدة ثلاث فتيات في منزل في حي مكتظ لعشر سنوات في قصة تداولتها وسائل الاعلام  الراقية بعد أن لاذت الفتيات في الفرار ليولدن من جديد! ولك أن تتخيل الاذلال و الاستعباد الجنسي الذي تعرضن لهن والذي قد يكون ملهما من بعض تلك الأدبيات المريضة. ولعل بعض الممارسات السادية الفاشية المهينة التي تعرض لها السجناء في أبو غريب تشابه بشدة تلك التي تظهر في روايات المفكر "الثوري" الفرنسي المختل "ماركيز دي ساد" صاحب الفكر السادي الذي يرى أن المتعة يجب أن تكون محررة تماما من كل القيود و أولها القيد الأخلاقي و الديني والقانوني! وقد حولت بعض رواياته الى أفلام في سبعينيات القرن الماضي باسم حرية التعبير "المستنزفة بقسوة" عند الغرب، ليظهر نوع جديد من التطرف الذي يُبرر باسم الحريات و الذي يتهافت عليه بعض أبناء جلدتنا كمن نوم مغناطيسيا أو سحر.

واذا كانت "أدبيات" الفكر الغربي والشرقي الأقصى تحتوي الكثير من الانحطاط الانساني فإن تاريخهم أيضا مليء بالإرهاب ضد شعوب أخرى كغزو  التتار الى محاكم التفتيش الى الحروب العالمية و المحارق الى يومنا هذا. وليس هذا المقال -في الحقيقة-  يراد به شيطنة الغرب و الشرق الأقصى، بل هو على العكس من ذلك يهدف الى إظهار مدى التباين بين تاريخ هذه الشعوب و الفكر الدموي و السادي الذي يسود في بعض أدبياتهم، وبين حضارة شعوبهم (ولا أقول سياساتهم الخرجية) الانسانية الصادقة في أغلب الأحيان في وقتنا الحاضر، و التي تعطف حتى على الحيوان قبل الانسان. وإذا ما قورن ذلك  بتاريخ و أدبيات الحضارة العربية، فإنه من الممكن الإدعاء أن الفكر والعقل العربي لم يحتوي ذلك الحقد الدموي أو الانحطاط الانساني الأدبي. وقد كانت المذابح في التاريخ العربي تحدث لأسباب سياسية محضة و لم تكن لمجرد التلذذ في التعذيب. و بالمحصلة، تخيل –عزيزي القارئ- مدى عمق قيم الحضارة الانسانية المتأصلة في حضارتنا العربية التي ستثري العالم اذا ما أطلق لها العنان.  

خ.ع.ع        

Monday 3 June 2013

ربيع حلم

ربيع حلم

هذه القصة مستوحاة من أسطورة إغريقية قديمة تدعى سزيفيوس , عن إشارات القدر المتكررة للإنسان

إنها السادسة و النصف صباحا, يدق منبهه, يستيقظ من نومه, تستيقظ زوجته و يجهز نفسه للعمل و تجهز زوجته الإفطار له, حياته منظمه جدا, يخرج من بيته إلى الشارع منطلقا لعمله, مبكرا عادته, حياته منظمة حد الروتين المتكرر, يحب هو الحياة المنظمة و يكره المفاجآت, اعتاد التفكير في طريقه إلى العمل, يخرج من بيته, السماء تمطر و لكنه لا يتناول مظلته.

باردة ... تزل للأرض بسرعة هائلة تزداد كلما قطعت مسافة أكبر, قطعت مسافة طويلة جدا لأجل هذا السقوط و ها هي بخيلاء كبير, مسرعة جدا و بكل برودة الشتاء ترتطم برأس ذلك الشاب الذي مشى تحت المطر بلا شيء يحميه, جامعا لرأسه كل قطرة مطر ممكنة يشاركها أفكارها و تشاركه دفء رأسه المضمحل, تغسل تعب أفكاره و تستغل رأسه لوهله هذه القطرات ... تنعشها لتبدأ التفكير من جديد ليعود رأسه للنشاط من جديد و لتتحرك أفكاره بطاقة لا منتهية ليعود لرأسه دفؤه و ليجذب قطرات أخرى, ليتجه المطر لرأسه من كل أرجاء السماء كما لو كان المكان الوحيد للماء النقي ليسقط عليه.

خارجا تحت المطر باحثا عن أفكار ليديرها في رأسه بدأ نهاره, ناظرا هنا و هناك, سامعا هذا و ذاك, رابطا بين الشوارع الطويلة بخطوات قصيرة, ناظرا للسماء العظيمة و قد غطتها قطرات صغيرة, حاصرا كل ضوضاء الدنيا في رأسه, متأملا كل حركات الناس بعينه و قلبه, باحثا عن ما لا يعلمه, أصوات الشوارع تحفزه, قطرات الماء الوسخة في الشارع تبلله ترسم اللوحات على بنطاله تخبره بكل ما فيها من حكايات و أخبار, عن تراب أرض أتى به فلاح للمدينة, عن طفل اسقط حلواه على الأرض, عن مدخن لم يجد غير الشارع لينفض سيجارته, عن سكير في أخر الليل اسقط زجاجته ليسكر الشارع معه, عن عكاز عجوز مشى من بداية الشارع إلى مسجد كبير ليؤدي صلاة الفجر وحده حين قلت الخطى, عن فتاة مشت مسرعة لترى ذلك الشاب المسافر و عن دموعها التي انهمرت عليه, و عن أم مشت طويلا و مرارا لأجل أيتامها, و عن أمة كثرت خطاها لأجل الحياة و عن خطاه أيضا كيف كانت و كيف أصبحت, يجمع كم الأفكار في رأسه ليكتب روايته الأولى عن الحياة في راسه بجمال في اول النهار و لا يدري خيره بعد.

 يؤدي الأدوار في كل خطوة, فهو في الأولى ذلك الشاب الذكي الواثق الخطى و في الثانية ذلك المحب القوي عنيد الخطى و في الثالثة هو الكادح المجد لأجل الحياة الذي لا يخجل من العمل لأجل العيش و في الرابعة هو ذلك الباحث بين جمع كبير عن الحرية.

 فعليا و بعيدا عن جمال الافكار السابقة الذكر هو في طريقه لعمله انطلق باكرا في المطر ليصل باكرا قبل الزحام يركب مواصلاته اليومية لأجل عمله, يصل باكرا كعادته, يقوم ببعض الأعمال كعادته, فهو في النهاية و بغض النظر عن كل جمال افكاره موظف عادي, و إذا بمديره يصل, يطلبه و بلا سابق إنذار يوبخه, لا يقول شيئا, يتقدم ناحية مكتب المدير و يلكمه, ينظر إليه المدير بقوة "أنت مفصول أنت مفصول" يلكمه لكمه أخرى و يخرج "لم تشترني براتبك أيها الحقير" يرددها و ينطلق شاعرا بنشوة الحرية, ما أن يخرج من باب عمله و إذا بالأفكار تداهمه, ما الذي فعلته أيها الغبي, لا يعلم كيف وصل للبيت يخبر زوجته بما حدث و إذا بها هي تغضب أيضا, و تبدأ بالصراخ و البكاء اللامبرر ... يصمت الصوت فجأة ... ينتفض من ذلك الكابوس الغريب ينظر إلى ساعته, إنها السادسة , لم يدق منبه نومه بعد, كان كابوسا غريبا فهو لم يفكر يوما بترك عمله, تستيقظ زوجته بجانبه تجهز فطوره و ينطلق إلى العمل .

إنها تمطر في الخارج, الشارع هو نفس الشارع الذي رآه في الحلم و لكن ما العجب فهو يسلكه كل يوم, حتى المواصلات نفسها, يصل كعادته مبكرا إلى عمله كما في الحلم تماما, ينجز عمله و يصل مديره, بعد وهله يطلبه, يستغرب هو مما يحدث, يدخل غرفة مديره و إذا به يوبخه يتقدم مسرعا و يضربه, يعود للبيت ليخبر زوجته فتبدأ بالبكاء, تبدأ الصراخ بصوت مرتفع , "لماذا لماذا" يسألها و لكنها لا تجيب, تصمت فجأة, و إذا بها تيقظه من نومه مرة أخرى عند السادسة, يتجهز لعمله و يخرج إنها تمطر أيضا, و الشارع هو هو بكل تفاصيله اليومية المكتررة, يصل لعمله, ينجز بعض الأعمال, يطلبه مديره, يدخل عليه, يجلس معه و يبدءان نقاشا عن العمل, يطول ... يستفزه مديره حد الغضب, يقف يضربه, و يخرج بكل قوة عائدا إلى بيته, يخبر زوجته و تبدأ بالبكاء... أنه لا ينتظرها أن تبدأ الصراخ و ينفض نفسه ليصحو من ذلك الكابوس الغريب مرة اخرى, يخرج مسرعا دون أن يتجهز لأي شيء يصل قبل الجميع يكتب استقالته و يضعها على مكتب المدير.

لا تنتظر التغير, اصنعه.

ح.ا.ج