Monday 3 June 2013

ربيع حلم

ربيع حلم

هذه القصة مستوحاة من أسطورة إغريقية قديمة تدعى سزيفيوس , عن إشارات القدر المتكررة للإنسان

إنها السادسة و النصف صباحا, يدق منبهه, يستيقظ من نومه, تستيقظ زوجته و يجهز نفسه للعمل و تجهز زوجته الإفطار له, حياته منظمه جدا, يخرج من بيته إلى الشارع منطلقا لعمله, مبكرا عادته, حياته منظمة حد الروتين المتكرر, يحب هو الحياة المنظمة و يكره المفاجآت, اعتاد التفكير في طريقه إلى العمل, يخرج من بيته, السماء تمطر و لكنه لا يتناول مظلته.

باردة ... تزل للأرض بسرعة هائلة تزداد كلما قطعت مسافة أكبر, قطعت مسافة طويلة جدا لأجل هذا السقوط و ها هي بخيلاء كبير, مسرعة جدا و بكل برودة الشتاء ترتطم برأس ذلك الشاب الذي مشى تحت المطر بلا شيء يحميه, جامعا لرأسه كل قطرة مطر ممكنة يشاركها أفكارها و تشاركه دفء رأسه المضمحل, تغسل تعب أفكاره و تستغل رأسه لوهله هذه القطرات ... تنعشها لتبدأ التفكير من جديد ليعود رأسه للنشاط من جديد و لتتحرك أفكاره بطاقة لا منتهية ليعود لرأسه دفؤه و ليجذب قطرات أخرى, ليتجه المطر لرأسه من كل أرجاء السماء كما لو كان المكان الوحيد للماء النقي ليسقط عليه.

خارجا تحت المطر باحثا عن أفكار ليديرها في رأسه بدأ نهاره, ناظرا هنا و هناك, سامعا هذا و ذاك, رابطا بين الشوارع الطويلة بخطوات قصيرة, ناظرا للسماء العظيمة و قد غطتها قطرات صغيرة, حاصرا كل ضوضاء الدنيا في رأسه, متأملا كل حركات الناس بعينه و قلبه, باحثا عن ما لا يعلمه, أصوات الشوارع تحفزه, قطرات الماء الوسخة في الشارع تبلله ترسم اللوحات على بنطاله تخبره بكل ما فيها من حكايات و أخبار, عن تراب أرض أتى به فلاح للمدينة, عن طفل اسقط حلواه على الأرض, عن مدخن لم يجد غير الشارع لينفض سيجارته, عن سكير في أخر الليل اسقط زجاجته ليسكر الشارع معه, عن عكاز عجوز مشى من بداية الشارع إلى مسجد كبير ليؤدي صلاة الفجر وحده حين قلت الخطى, عن فتاة مشت مسرعة لترى ذلك الشاب المسافر و عن دموعها التي انهمرت عليه, و عن أم مشت طويلا و مرارا لأجل أيتامها, و عن أمة كثرت خطاها لأجل الحياة و عن خطاه أيضا كيف كانت و كيف أصبحت, يجمع كم الأفكار في رأسه ليكتب روايته الأولى عن الحياة في راسه بجمال في اول النهار و لا يدري خيره بعد.

 يؤدي الأدوار في كل خطوة, فهو في الأولى ذلك الشاب الذكي الواثق الخطى و في الثانية ذلك المحب القوي عنيد الخطى و في الثالثة هو الكادح المجد لأجل الحياة الذي لا يخجل من العمل لأجل العيش و في الرابعة هو ذلك الباحث بين جمع كبير عن الحرية.

 فعليا و بعيدا عن جمال الافكار السابقة الذكر هو في طريقه لعمله انطلق باكرا في المطر ليصل باكرا قبل الزحام يركب مواصلاته اليومية لأجل عمله, يصل باكرا كعادته, يقوم ببعض الأعمال كعادته, فهو في النهاية و بغض النظر عن كل جمال افكاره موظف عادي, و إذا بمديره يصل, يطلبه و بلا سابق إنذار يوبخه, لا يقول شيئا, يتقدم ناحية مكتب المدير و يلكمه, ينظر إليه المدير بقوة "أنت مفصول أنت مفصول" يلكمه لكمه أخرى و يخرج "لم تشترني براتبك أيها الحقير" يرددها و ينطلق شاعرا بنشوة الحرية, ما أن يخرج من باب عمله و إذا بالأفكار تداهمه, ما الذي فعلته أيها الغبي, لا يعلم كيف وصل للبيت يخبر زوجته بما حدث و إذا بها هي تغضب أيضا, و تبدأ بالصراخ و البكاء اللامبرر ... يصمت الصوت فجأة ... ينتفض من ذلك الكابوس الغريب ينظر إلى ساعته, إنها السادسة , لم يدق منبه نومه بعد, كان كابوسا غريبا فهو لم يفكر يوما بترك عمله, تستيقظ زوجته بجانبه تجهز فطوره و ينطلق إلى العمل .

إنها تمطر في الخارج, الشارع هو نفس الشارع الذي رآه في الحلم و لكن ما العجب فهو يسلكه كل يوم, حتى المواصلات نفسها, يصل كعادته مبكرا إلى عمله كما في الحلم تماما, ينجز عمله و يصل مديره, بعد وهله يطلبه, يستغرب هو مما يحدث, يدخل غرفة مديره و إذا به يوبخه يتقدم مسرعا و يضربه, يعود للبيت ليخبر زوجته فتبدأ بالبكاء, تبدأ الصراخ بصوت مرتفع , "لماذا لماذا" يسألها و لكنها لا تجيب, تصمت فجأة, و إذا بها تيقظه من نومه مرة أخرى عند السادسة, يتجهز لعمله و يخرج إنها تمطر أيضا, و الشارع هو هو بكل تفاصيله اليومية المكتررة, يصل لعمله, ينجز بعض الأعمال, يطلبه مديره, يدخل عليه, يجلس معه و يبدءان نقاشا عن العمل, يطول ... يستفزه مديره حد الغضب, يقف يضربه, و يخرج بكل قوة عائدا إلى بيته, يخبر زوجته و تبدأ بالبكاء... أنه لا ينتظرها أن تبدأ الصراخ و ينفض نفسه ليصحو من ذلك الكابوس الغريب مرة اخرى, يخرج مسرعا دون أن يتجهز لأي شيء يصل قبل الجميع يكتب استقالته و يضعها على مكتب المدير.

لا تنتظر التغير, اصنعه.

ح.ا.ج

No comments:

Post a Comment