تحررنا قد ينتهي باستعمارنا !
يعاني بعض الأشخاص من شهوةٍ غريبة، وتكمن هذه
الشهوة في الرغبة في سرقه سلع صغيرة لمجرد السرقة. ويشعر هذا الشخص بلذه إذا ما
انقاد لهذه الشهوه. وعلى الرغم من أن الطب يعترف بأن هذه حالة مرضيه (تعرف بكلبتمانية) و رغم أن الشخص لم يختر أصلا أن يكون كذلك، إلا أن هذا لا يعفي السارق من المحاكمة
والسجن. فالعقوبة تأتي على حدوث الفعل وليس على الشهوة. و في حالة أخرى متطرفة
جدا لكن موجودة في العالم و يسلط الضوء عليها بشدة في المجتمعات الغربية، نجد أن
هناك أقلية من الرجال الذين يعانون من نوع من الشذوذ الجنسي الذي يدفعهم الى
الرغبة في ممارسة الجنس مع قاصرين أو أطفال من كلا الجنسين. ولعل المقال الجريء في
صحيفة الغارديان تحت عنوان "Pedophilia: bringing dark desires to light" الذي اثار جدلا عند كل من له غيرة على
ادميته يلمح الا أننا في الحقيقة قد نحتاج الى اعادة حساباتنا في نظرتنا الى أصحاب
هذه الشهوات الشاذة، اذ أنه لا يوجد اجماع اكاديمي على أن ممارسة "الجنس
الاختياري" من بالغين مع الأطفال (قبل البلوغ) له اثار سلبية أو ان له مضار! وأن وجود هذه الشهوة هو أمر غير اختياري عند الشاذ بسبب وجود اختلافات عصبية في
بعض أجزاء الدماغ (المادة البيضاء) كما تلمح بعض الدراسات العلمية.
و مع وجود هذه التبريرات العلمية، الا أننا
على أغلبنا في العالم لا نقبل في التفكير في المناداة باعطاء حق الاعفاء من السرقة
أو منح الحرية الجنسية لمن يعانون من "انجذاب-للقاصرين" كما تسميهم بعض الجماعات شديدة التحرر وذلك لأننا نشعر أن هناك خللا ما في هذا الطلب، أو ربما لأن فلاسفة
الغرب وسياسيهم لم يبثوا أفكارا مغايرة لأفكارنا في هذا الموضوع (على الأقل حتى
الان).
ولكن لأسباب عدة، بدأت نظرة جزء من
"مثقفي" الشباب العربي بتقبل ظاهرة الشذوذ الجنسي المثلي في
المجتمع كأمر عادي غير شاذ. لابل تجدهم يتعاطفون مع قضيتهم في طلبهم لحقوق الزواج
المثلي و التبني وارغام الناس غلى احترام ميول المثليين التي لم يكن لهم امر
في اختيارها. وانتشرت في الاونة الأخيرة الكثير من النشاطات في الوطن العربي على
شبكات التواصل الاجتماعي، و بدأت المجلات الاكترونية العربية الخاصة للمثليين
بالصدور و الانتشار في ما أصبح يعرف ب"المثليين العرب"، وأيدهم في حملتهم بعض المتعاطفين
الغير شاذين المحسوبين من "المثقفين" من الشباب العربي المتحرر(1). وليس غريبا أن يكون معظم هؤلاء الشباب العربي ممن درس أو عاش جزءا من حياته في
البلاد الغربية وتشرب من شبهاتها الاخلاقية التي تضع الاساس العلمي الملموس مقياسا
لها، وبالتالي تنظر الى الانسان من ناحية مادية فقط. و لا نلوم العلم الحسي ولا
نحمله فوق قدراته فقدراته التفسيرية تنتهي عند انتهاء المادة. وليس من الضروري أن
يكون الشاب قد انتقل الى الغرب بجسده، فالمنظومة الأخلاقية تلقن الينا عن طريق
الأفلام و المسلسلات الغربية ابتداء من مسلسل "فرندز" الذي تقبلنا – فيه
بشكل غير مباشر- و ضحكنا كلنا فيه على زوجة "روس" لأنها مثلية، وانتهاء
بالمسلسل الأمريكي الجديد الذي يروي قصة رجليين مثليين يريدان أن ينجبا ولدا من
امرأة ما (بالطبع فقط على أحدهما ان يحقن سائله المنوي في رحم امرأة متبرعة ولا
يستطيع الاثنان فعل ذلك أو المشاركة بسائليهما، لتظهر معضلة اخرى في فلسفتهم
التحررية). وهذا المسلسل يحمل اسما جدليا، وهو "The New Normal" أي انهم يريدون تطبيع و تغيير ما هو عادي بأمر عادي جديد و
بشكل علني! ورغم أن نسبة الشاذين المثليين تقدر ب 1-2% في المملكة المتحدة (من
أكثر البلاد تحررا وتقبلا لهذه الظاهرة) الا أنك تكاد لا تجد أي مسلسل أمريكي أو
بريطاني يخلو من شخصية شاذة تتطلب تعاطف المشاهد مما يؤشر على وجود استهداف لنشر
هذه المبادئ. كما توجود منظمات غير ربحية في جميع أنحاء العالم (مثل "ILGA") تعمل على دراسة أحوال المثليين في الوطن العربي والعالم و تعمل على دعم مطالبهم.
و ليست هذه الجهود المبذولة في نشر المباديء
الغربية و تطبيع منظومتنا الاخلاقية العربية هي نظرية مؤامرة كما قد يخطر على بال
القارئ، بل يمكن ان ينظر اليها على انها توجهات امبريالية استعمارية غربية تريد أن
تفرض نظرتها الأخلاقية "المستنيرة" التي توصلت اليها الدول الغربية
المتقدمة على دول و شعوب العالم الثالث القاصر الذي لا يستطيع أن يختار ما يناسبه
ولا أن يفكر لنفسه، لذلك يجب على رجل العرق الأبيض "White Man"
أن يعلمنا كيف يجب أن نتعامل مع بعضنا و كيف نكون أخلاقيين بحق، حتى وان لم يكن
هذا جزءا من ثقافتنا! ولعل د.جوزيف مسعد من جامعة
كولومبيا استطاع أن يقدم بحثأ اكاديميا متميزا وصادما في ورقته العلمية "Re-orienting Desires:
The Gay International and The
Arab World"
التي نبه فيها الى هذه النظرة الاستشراقية استكمالا لمدرسة
الراحل ادوارد سعيد الذي كان استاذه. و لاشك أن هذه الاجندة تجد ترية خصبة عند
الضعفاء ثقافيا من أبناء جلدتنا الذين يأخذون كل ما يردنا من الغرب دون فلترة
ذكية. وليست هذه الفلترة بالأمر السهل في حقيقة الأمر خاصة عندما نكون من دول
العالم الثالث المستهلك الذي لم يعد له انتاجه الفكري و الاقتصادي المستقل.
لم ينكر العقلاء في مجتمعنا و جود أشخاص
بشهوات شاذة، وعلى الرغم من ورود هذه الشهوات في الأدبيات العربية خلال معظم
العصور، الا أنها لم تكن متقبلة يوما في مجتمعاتنا ابتداء من العصر الجاهلي الى
الاسلامي حتى الاستعماري. بل كانت الأدبيات الاسلامية –على سبيل المثال- تعترف
بوجود مثل هذه الشهوات و تطالب من يمتلكها بعدم الانقياد اليها وتتعاطف مع جهوده
في هذا السياق فهي تعتبره بالطبع جزءا من هذا المجتمع(2). واذا كانت هذه الشهوات أمرا
عارضا أو اكتسابيا من التربية و المجتمح يمكن الشفاء منه أم كانت أمرا غير
اختياري يولد الانسان به، يبقى الحكم على فعل الأمر لا على الشهوة بذاتها، و تبقى
أصل المشكلة جدلا علميا يحتمل الاحتمالين ولكن يسوق أحدهما فوق الاخر وفقا
للأجندة السياسبة والأخلاقية التي تمتلكها القوى العظمى.
خ.ع.ع
________________________________________
(1): ظهرت
المجلات الالكترونية في الأردن، مصر، لبنان و المغرب العربي.
(2): راجع مصطلح "المأبون" و "المردان".