Tuesday 22 October 2013

"قد أخالفك الرأي لكن سأدافع عن حقك في إبدائه"

"قد أخالفك الرأي لكن سأدافع عن حقك في إبدائه"

اذا هاجمت أو انتقدت الأديان فقد تتهم بالزندقة او الكفر. واذا هاجمت الحكام فانك قد تلقى خلف الشمس. هذا قد يحدث بالطبع اذا كنت في الوطن العربي لا الغربي الذي يقدس حرية التعبير. ولكنك في الغرب قد تتهم بكونك "طائفي، راديكالي، ميسوجوني، هوموفوبي، اسلاموفوبي، معادي للسامية، عنصري ضد المرأة أو ديكتاتوري و في بعض الاحيان خائنا للأمة، اذا كتبت رأيك بحرية تامة (دون التحريض على العنف او الكراهية) و دون أخذ انطباع الرأي العام الغربي و نوع الخطاب في عين الاعتبار. ولذلك فانك قد لا تجرؤ على قول رأيك اذا كان يختلف بشكل جذري مع التوجهات الغربية




"جوليان أسانج"، الهاكر الذي أحدث ثورة معلوماتية و أوجد منصة إلكترونية محصنة لنشر الوثائق المهربة التي تثبت فساد الشركات العملاقة و الحكومات الفاسدة المتواطئة، سعيا لحرية اعلامية مطلقة، قد فقد مصداقيته عند معظم الأوروبيين، وهو الآن يقبع في سفارة الاكوادور في بلاد الحريات بريطانيا يبحث عن دولة تأويه. وحتى لو وجد دولة تأويه فانه لن يستطيع الوصول الى المطار لأنه سيوقف لحظة القبض عليه عند أول خطوة يخطوها خارج السفارة فهو متهم بالاغتصاب. و من يبدي شكا في شأن تهمة الاغتصاب التي تثير الجدل بسبب توقيتها، فإنك قد تتهم بالميسوجينية كما حدث ل"جورج جالاوي". وبغض النظر عن تهمة الاغتصاب التي وجهت له من صديقته التي مارس الجنس معها دون علمها لأنها كانت نصف نائمة،  فإن أسانج قد اوجد بعدا جديدا لحرية التعبير لا يجب انكاره

و "سنودن" الذي كشف للعالم فضيحة تجسس الولايات المتحدة و بريطانيا على معظم البيانات الشخصية و المراسلات اليومية لجميع مستخدمي الانترنت في العالم بما في ذلك انا و انت، يعتبره ثلث السكان الامريكيين خائنا للأمة يجب محاكمته. وهو الآن يبحث عن لجوء سياسي في اي دولة في العالم بعد ان تخلى العرب والغرب عنه ولم تبقى سوى بعض الصحف اليسارية لتدافع عنه. ولم نرى الغرب ممن يقدس الحريات ولا حتى العرب ممن يسعون لها قد احتشدوا في الشوارع طلبا لنصرته. وهناك بالطبع الجندي "برادلي" الذي هرب لقطات تصور قتل جنود امريكان لمدنيين في العراق الذي يحاكم بتهمة الخيانة ايضا بدل ان يعطى جائزة نوبل

اما العالم البريطاني المسلم "عبد الحكيم مراد" الذي يرأس كلية الدراسات الاسلامية في جامعة كامبردج، و المعروف بعمق علمه وثقافته و براعة صياغته للخطاب الديني المعاصر، قد اتهم بالهوموفوبيا  بعد ان وجد احدهم محاضرة قديمة له يصف فيها الشذوذ الجنسي بـ"الاضطراب أو الخلل". وقد طالب بعضهم بفصله من عمله بسبب هذه التصريحات التي قالها منذ اكثر من عقدين من الزمن. ولم تغن المقالات التي تدافع عن حرية التعبير وعن الدكتور "عبد الحكيم مراد" من اضطراره الا على أن يعتذر عما بدر منه منذ عشرين عاما

و "هيلين توماس" تلك الصحفية الامريكية العملاقة ذات الاصول اللبنانية، و المدافعة عن المضطهدين و المناصرة للقضايا العربية لم تسلم من الوقوع في فخ اتهامها بمعاداة السامية عندما صرحت ان على اليهود الاوروبيين الذين هاجروا الى فلسطين العودة الى اوروبا وعدم احتلال اراض ليست لهم. وقد اجبرت على انهاء خدمتها كصحفية عملت قرابة السبعين عاما  بعد هذه التصريحات. و عندما تقاوم حركة سياسية تحمل أغلبية شرعية احتلالا يتبع اجندة غربية فانها تصبح حركة ارهابية ضد الانسانية كما حدث ل"نلسون مانديلا" في جنوب افريقيا و بعض حركات المقاومة في تاريخ الثورة الفلسطينية

و يكفي ان تعلن عن رأيك  ان للمرأة دورا في المجتمع يختلف عن دور الرجل حتى تتهم بالعنصرية ضد المرأة في أعين المجتمع الغربي. أو ان تعلن مثلا ان المرأة تتصف بالانوثة و الرجل بالرجولة حتى ينزل عليك غضب الحركات النسائية. فهناك نساء يتمتعن بصفات رجولية، وهناك رجال يتمتعون بصفات انثوية سيشعرون بالاضطهاد من هذا القول. و لذلك فانك عنصري ضد الجنس الآخر

واذا حاولت ان تبدي نقدا في الفكر الديمقراطي أو تعاطفت مع الحركات السياسية الاسلامية المنتخبة التي لم تتبع الديمقراطية الليبرالية كما فهمتها و أوجدتها الثقافة الغربية بعد ثورات و تجربة خاصة عاشتها أوروبا، فإنك قد تتهم بالديكتاتوري و الاقصائي. تماما كما حدث لحركات الاسلام السياسي في مصر و أحيانا تركيا

و من الصعب في الحقيقة تبسيط المسألة في عدة فقرات و أمثلة. فما زالت زاوية الخطابة في الهايد بارك شاهدا على تقبل الرأي الآخر. ولكن من الملاحظ ان المجتمع في الدول التي تخلوا من الرقابة البوليسية هو بذاته وبشكل لا ارادي يحدد طبيعة وحدود حرية التعبير. ورغم ان هناك عناوين عامة لقيم عالمية انسانية متفق عليها، تبقى ثقافة المجتمع التي شكلها تاريخه وما زالت تتشكل وتتغير هي ما تحدد حدود حرية التعبير. و اذا ما فرضت أفكار و قيم خارجية على مجتمع ما فانها تنطوي تحت شكل من أشكال الاستعمار الثقافي. و اذا قادك هذا المقال لأن تتهمني بأني متعصب أو أعاني من الزينوفوبيا فأرجو أن تعيد مراجعة تعريفك لحرية التعبير حتى لا تشكل مثالا جديدا من أمثلة هذا المقال

خ.ع.ع

No comments:

Post a Comment