Saturday 30 March 2013

تحررنا قد ينتهي باستعمارنا !



تحررنا قد ينتهي باستعمارنا !


يعاني بعض الأشخاص من شهوةٍ غريبة، وتكمن هذه الشهوة في الرغبة في سرقه سلع صغيرة لمجرد السرقة. ويشعر هذا الشخص بلذه إذا ما انقاد لهذه الشهوه. وعلى الرغم من أن الطب يعترف بأن هذه حالة مرضيه (تعرف بكلبتمانية)  و رغم أن الشخص لم يختر أصلا أن يكون كذلك، إلا أن هذا لا يعفي السارق من المحاكمة والسجن. فالعقوبة تأتي على حدوث الفعل وليس على الشهوة.  و في حالة أخرى متطرفة جدا لكن موجودة في العالم و يسلط الضوء عليها بشدة في المجتمعات الغربية، نجد أن هناك أقلية من الرجال الذين يعانون من نوع من الشذوذ الجنسي الذي يدفعهم الى الرغبة في ممارسة الجنس مع قاصرين أو أطفال من كلا الجنسين. ولعل المقال الجريء في صحيفة الغارديان تحت عنوان "Pedophilia: bringing dark desires to light" الذي اثار جدلا عند كل من له غيرة على ادميته يلمح الا أننا في الحقيقة قد نحتاج الى اعادة حساباتنا في نظرتنا الى أصحاب هذه الشهوات الشاذة، اذ أنه لا يوجد اجماع اكاديمي على أن ممارسة "الجنس الاختياري" من بالغين مع الأطفال (قبل البلوغ) له اثار سلبية أو ان له مضار! وأن وجود هذه الشهوة هو أمر غير اختياري عند الشاذ بسبب وجود اختلافات عصبية في بعض أجزاء الدماغ (المادة البيضاء) كما تلمح بعض الدراسات العلمية.

و مع وجود هذه التبريرات العلمية، الا أننا على أغلبنا في العالم لا نقبل في التفكير في المناداة باعطاء حق الاعفاء من السرقة أو منح الحرية الجنسية لمن يعانون من "انجذاب-للقاصرين" كما تسميهم بعض الجماعات شديدة التحرر وذلك لأننا نشعر أن هناك خللا ما في هذا الطلب، أو ربما لأن فلاسفة الغرب وسياسيهم لم يبثوا أفكارا مغايرة لأفكارنا في هذا الموضوع (على الأقل حتى الان).

ولكن لأسباب عدة، بدأت نظرة جزء من "مثقفي" الشباب العربي  بتقبل ظاهرة الشذوذ الجنسي المثلي في المجتمع كأمر عادي غير شاذ. لابل تجدهم يتعاطفون مع قضيتهم في طلبهم لحقوق الزواج المثلي  و التبني وارغام الناس غلى احترام ميول المثليين التي لم يكن لهم امر في اختيارها. وانتشرت في الاونة الأخيرة الكثير من النشاطات في الوطن العربي على شبكات التواصل الاجتماعي، و بدأت المجلات الاكترونية العربية الخاصة للمثليين بالصدور و الانتشار في ما أصبح يعرف ب"المثليين العرب"، وأيدهم في حملتهم بعض المتعاطفين الغير شاذين المحسوبين من "المثقفين" من الشباب العربي المتحرر(1). وليس غريبا أن يكون معظم هؤلاء الشباب العربي ممن درس أو عاش جزءا من حياته في البلاد الغربية وتشرب من شبهاتها الاخلاقية التي تضع الاساس العلمي الملموس مقياسا لها، وبالتالي تنظر الى الانسان من ناحية مادية فقط. و لا نلوم العلم الحسي ولا نحمله فوق قدراته فقدراته التفسيرية تنتهي عند انتهاء المادة. وليس من الضروري أن يكون الشاب قد انتقل الى الغرب بجسده، فالمنظومة الأخلاقية تلقن الينا عن طريق الأفلام و المسلسلات الغربية ابتداء من مسلسل "فرندز" الذي تقبلنا – فيه بشكل غير مباشر- و ضحكنا كلنا فيه على زوجة "روس" لأنها مثلية، وانتهاء بالمسلسل الأمريكي الجديد الذي يروي قصة رجليين مثليين يريدان أن ينجبا ولدا من امرأة ما (بالطبع فقط على أحدهما ان يحقن سائله المنوي في رحم امرأة متبرعة ولا يستطيع الاثنان فعل ذلك أو المشاركة بسائليهما، لتظهر معضلة اخرى في فلسفتهم التحررية). وهذا المسلسل يحمل اسما جدليا، وهو "The New Normal" أي انهم يريدون تطبيع و تغيير ما هو عادي بأمر عادي جديد و بشكل علني! ورغم أن نسبة الشاذين المثليين تقدر ب 1-2% في المملكة المتحدة (من أكثر البلاد تحررا وتقبلا لهذه الظاهرة) الا أنك تكاد لا تجد أي مسلسل أمريكي أو بريطاني يخلو من شخصية شاذة تتطلب تعاطف المشاهد مما يؤشر على وجود استهداف لنشر هذه المبادئ. كما توجود منظمات غير ربحية في جميع أنحاء العالم (مثل "ILGA") تعمل على دراسة أحوال المثليين في الوطن العربي والعالم و تعمل على دعم مطالبهم.

و ليست هذه الجهود المبذولة في نشر المباديء الغربية و تطبيع منظومتنا الاخلاقية العربية هي نظرية مؤامرة كما قد يخطر على بال القارئ، بل يمكن ان ينظر اليها على انها توجهات امبريالية استعمارية غربية تريد أن تفرض نظرتها الأخلاقية "المستنيرة" التي توصلت اليها الدول الغربية المتقدمة على دول و شعوب العالم الثالث القاصر الذي لا يستطيع أن يختار ما يناسبه ولا أن يفكر لنفسه، لذلك يجب على رجل العرق الأبيض "White Man" أن يعلمنا كيف يجب أن نتعامل مع بعضنا و كيف نكون أخلاقيين بحق، حتى وان لم يكن هذا جزءا من ثقافتنا! ولعل د.جوزيف مسعد من جامعة كولومبيا استطاع أن يقدم بحثأ اكاديميا متميزا وصادما في ورقته العلمية "Re-orienting Desires: The Gay International and The Arab World" 
التي نبه فيها الى هذه النظرة الاستشراقية استكمالا لمدرسة الراحل ادوارد سعيد الذي كان استاذه. و لاشك أن هذه الاجندة تجد ترية خصبة عند الضعفاء ثقافيا من أبناء جلدتنا الذين يأخذون كل ما يردنا من الغرب دون فلترة ذكية. وليست هذه الفلترة بالأمر السهل في حقيقة الأمر خاصة عندما نكون من دول العالم الثالث المستهلك الذي لم يعد له انتاجه الفكري و الاقتصادي المستقل.

لم ينكر العقلاء في مجتمعنا و جود أشخاص بشهوات شاذة، وعلى الرغم من ورود هذه الشهوات في الأدبيات العربية خلال معظم العصور، الا أنها لم تكن متقبلة يوما في مجتمعاتنا ابتداء من العصر الجاهلي الى الاسلامي حتى الاستعماري. بل كانت الأدبيات الاسلامية –على سبيل المثال- تعترف بوجود مثل هذه الشهوات و تطالب من يمتلكها بعدم الانقياد اليها وتتعاطف مع جهوده في هذا السياق فهي تعتبره بالطبع جزءا من هذا المجتمع(2). واذا كانت هذه الشهوات أمرا عارضا أو اكتسابيا من التربية و المجتمح  يمكن الشفاء منه أم كانت أمرا غير اختياري يولد الانسان به، يبقى الحكم على فعل الأمر لا على الشهوة بذاتها، و تبقى أصل المشكلة جدلا علميا يحتمل الاحتمالين ولكن  يسوق أحدهما فوق الاخر وفقا للأجندة السياسبة والأخلاقية التي تمتلكها القوى العظمى.     
         
خ.ع
 ________________________________________

 (1): ظهرت المجلات الالكترونية في الأردن، مصر، لبنان و المغرب العربي.
 (2): راجع مصطلح "المأبون" و "المردان". 


3 comments:

  1. لما استعمال نظرية المؤامرة لقضية المثليين جنسياً؟ وكيف سيؤدي تقبلنا لهذه الفئة لو حصل إلى استعمارنا من القوى الامبريالية الغربية؟ وكيف يقارن الاستغلال الجنسي لأطفال الذي يؤدي إلى اذى نفسي لمدى الحياة بعلاقة بين شخصين واعيين قامت تحت رضا الطرفين؟

    ReplyDelete
    Replies
    1. اسئلة منطقيه... لذلك أرجو أن تكون اجوبتي منطقية أيضاً. بالنسبة لنظرية المؤامرة فلا أعتقد أنها كذلك فالرؤية الاستشرقيه من الغرب موجودة حتى ألان ولولا جهود المفكرين العرب من أمثال إدوارد سعيد لكان العرب عند الغرب ليسوا سوى مجموعة من الرجعيين الذين يعيشون في الصحراء ويملكون الجواري التي ترقص لهم ليل نهار lool (في الحقيقة الأمر مضحك مبكي) ومازال العرب الموجودون في دول غربية حتى اليوم يتلقون الأسئلة الغريبة ممن يعتقدون أننا نعيش في الخيام! (لكن تقلصت هذه النظرة مقارنةً بالأمس). على كل حال بسبب هذه النظرة يظن الغرب أنه استطاع أن يصل إلى قمة الفكر الأخلاقي وأن كل الدول التي لم تصل إلى هذا المستوى هي دول جاهلة ويجب مساعدتهم على نشر هذه المبادئ، تماماً كفكرة الانتداب حتى ولو كانت هذه المبادئ ليست جزأ من ثقافة هذه الدول (و قد تكون هذه النظرة من حسن نية في كثير من الحالات ). في الحقيقة نحن في الوطن العربي لدينا مصائبنا الأخلاقية ولكننا لا نريد إنتداباً جديداً. على كل حال يمكنك الرجوع إلى الورقة العلمية التي كتبها دجوزيف مسعد وهو أكاديمي معتبر في جامعة كولمبيا العريقة. وقد ألف كتاباً إستكمالاً لهذا البحث تحت عنوان "Desiring Arabs" الذي يدرس في كثير من الجامعات الأمريكية والروبية (وهذه واحدة من ميزات الثقافة الغربية التي يجب أن نتعلمها و نحترمها - البحث العلمي الموضوعي)

      أما بالنسبة لممارسة الجنس مع الأطفال الذي نرفضه ونحاربه جميعاً... فأخشى أن الدراسات العلمية الأخيرة لم تثبت الضرر في ذلك!! ويمكنك الرجوع إلى مقال الغارديان الموجود بسهولة. في الواقع عدم وجود الضرر المذكور هو في حالة " consensual paedophilic relation" !!!! على كل حال العبره هنا أن ليس كل من يعاني من شهوةٍ ما له ألحق في أن ينقاد إليها حتى ولو كانت برضى الطرفين فتعدد الأزواج يعتبر أمر غير أخلاقي عند بعض الثقافات حتى ولو كان برضى جميع الأطراف! فلماذا نرضى بهذا ولا نرضى بذاك؟!!

      للإنصاف هناك الكثير مما يمكن تعلمه من الشعوب والثقافة الغربية وقد كتبت ذلك في المقال الأول (المطار... الصدمة الثقافية الأولى) ولكن كل ماعلينا أن لا ننسخ ثقافتنا بثقافتهم.

      !Have an amazing day

      Delete
  2. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete