Thursday 28 March 2013

المطار...الصدمة الثقافية الأولى

المطار...الصدمة الثقافية الأولى

في محطة القطار في لندن: بيانو في وسط المحطة لمن أراد أن يستمتع بالعزف عليه
هبطت الطائرة أخيراً بعد أكثر من خمس ساعات من التحليق. وها أنا ذا مرةً أخرى أعود إلى بريطانيا، و من جديد أعجب برقي أول نقطه إلتقاء معها. و من جديد أفاجأ  بأمرٍ أتوقعه! أسير نحو " نقطة تفتيش الجواز " منقاداً باللافتات من حولي تسيرني بكل سلاسة. أتلفت من حولي أحاول استكشاف المكان بسرعة محاولا أن أدرس النظام الجديد من حولي. لافتات ارشادية كثيرة للمسافرين من حولي، وهناك مسافرون بالفعل يقفون لقراءتها. احدى اللافتات التي ترشد الى بوابات الاقلاع تشير أيضا الى عدد الدقائق التي تحتاجها للوصول الى البوابة. يبدو أن الدقيقة هنا لها قيمة مختلفة. معظم المسافرين هنا "بيض البشرة" من القارة الاوربية. كانوا يمشون بسرعة دون التفات، لا بد أنهم يعرفون طريقهم، لا بد أنهم جزء من هذا النظام. حلَلت حينها أنهم قد ترددوا  كثيرا على هذا المطار، ولم لا اذا كانوا في الأصل لايحتاجون الى تأشيرات دخول؟! فدولهم قد اتحدت منذ زمن. 

وصلت بعد عدة دقائق الى نقطة تفتيش الجواز، كان هناك أكثر من  خمسة عشر نقطه، و كانت كلها تعمل! لفت نظري أيضا وجود موظف عند نهاية الخط. كان يعمل على تنظيم حركة المنتظرين في الطابور و توزيعهم على النقاط الشاغرة. تذكرت حينها عندما وصلت الى مطار دولة عربية منذ بضعة أشهر، لأجد مئات المسافرين ينتظرون دورهم خلف ثلاث شبابيك فقط، و قد غاب أحد الموظفين عن احدى هذه الشبابيك ليترك خلفه بضع مئات من المسافرين واقفين لا يعلمون ماذا يحدث. وتساءلت حينها لماذا لا يوظف المطار عددا أكبر من الموظفين حتى يشرع في تسيير امور المسافرين و يساهم في حل جزء من مشكلة البطالة؟! ...أخذت دوري في الطابور –هنا- وأخذت اتامل النظام و المسافرين من حولي.

إن ذلك النظام الذي أصبح جزءًا من حياة السكان –هنا-  يشعرني وكأنني أسافر عبر الزمن إلى المستقبل الذي أقدره بعدة عقود من الزمن. نعم، ففي بلدي نحتاج إلى عشرات السنين للوصول إلى مثل هذا النظام. في مطار بريطانيا لا تجد من يقف في وسط الطريق يتأمل الناس ببرود وقح وهو يلهو بسلسلة المفاتيح. في مطار بريطانيا يسألك المسافر إذا ما كنت جزءًا من الطابور الذي تقف عنده حتى يقف وراءك من دون أن يستغفلك ليأخذ مكانك، فذلك يعتبر كفراً في "عقيدتهم". في مطار بريطانيا، يقف البريطاني خلف العربي ينتظر دوره مبتسماً حتى ولو كان المسؤول من نفس عائلته. في مطار بريطانيا يسير الطابور بسرعةٍ جميلة. في مطار بريطانيا يقف العربي الغيور على أمته مذهولاً يكاد ينفجر من البكاء غيظاً على حال أمته. متى سيلقي أطفالنا النفايات في مكانها؟ متى سيصبح كبار السن عندنا يحملون على ظهورهم حقائب السفر والترحال وهم يبتسمون، بدلا من أن يحملوا عشرات الأمراض التي أهلكت  أجسادهم و أرهلتها؟  متى سياسرع شبابنا إلى القراءة إذا ما سكنوا وهم ينتظرون دورهم بهدوء؟  متى سيوقن موظفو المطار أنهم يعملون لدى المسافرين؟ و أن عليهم تأمين كل التسهيلات والخدمات اللازمة؟ تماماً كما نُص ذلك في أول صفحةٍ من جواز السفر، لا بل على الغلاف تماماً قبل الصفحة الأولى؟

وصلت الى احدى شبابيك التفتيش حيث أخذت موظفة الأمن جواز السفر مني بعد الابتسامة و التحية. وما هي الا دقائق معدودة حتى أعادت إلي جواز السفر وعليه ختم الدخول  بعد أن استوضحت مني سبب وجودي وعنوان إقامتي. و من جديد أعادت إلي الجواز بابتسامة و تحية، فيبدو أنها كانت تعلم أن الابتسامة صدقة وأن افشاء السلام شيء جميل. و يبدو أنها كانت تحترم حريتي الشخصية، فهي لم تسألني عن سبب اطلاقي للحيتي كما يحدث في بعض البلاد العربية.
 
انتهى بي المطاف بعد الانتهاء من المطار إلى القطار، الذي أحسست عند صعودي اليه وكأنني اصعد على متن طائره أخرى لشدة نظافه المكان وجودة عفشه. تحرك القطار في موعده تماماً وكأنه يسير أوتماتيكياً من دون سائق. كان الجو شديد البرودة في الخارج، وكانت الثلوج قد بدأت بالهطول منذ بضع ساعات. وما هي إلا بضع دقائق حتى أعلن السائق أن القطار سوف يضطر إلى التوقف عند المحطه القادمة بسبب عطلٍ في السكة الحديدية، وان على الجميع النزول هناك. ورغم أن هذا الخبر من شأنه أن يزعج الجميع،  إلا انني ابتسمت إبتسامة الشامت، فيبدو أن النظام الذي أدهشني قد بدأ بالتخلخل  وأن الفوضى ستعم لا محالة. وللأسف، أو ربما لحسن الحظ، لم تصدق تنبؤاتي. فقد أعلن السائق أنه تم التنسيق مع وسائل النقل العامة لتفادي هذه المشكلة، وأن هناك حافلة ستمر عند موقف الحافلة الذي يبعد بضعة مئات الأمتار، وأنه لا حاجة إلى شراء تذكره أخرى. خرجنا من القطار لنجد بعض موظفي المحطة قد اصطفوا أمامنا وأخذوا بتوزيع أوراقٍ احتوت عنوان موقف الحافلة والخارطة المؤديه إليه ،وهكذا يستطيع المسافر الوصول بيسر الى موقف الحافلة.
 
أخذت الورقة وتوقفت برهةً أتأمل ماحدث. لم يكن التفوق علينا سببه المال أو حتى التطور العلمي. فهذه الخرائط المطبوعة على ورق عادي لاتحتاج إلى ذلك المال أو تلك التكنولوجيا. ما السر اذا؟.. لا بد انها تلك العقلية وأذاك الأسلوب في التفكير. انه احترام الوقت وتقديره. انه احترام حريات المرء و احترام المرء نفسه قبل كل شيء. انه احترام الموظف لعمله. انه ذلك الاحساس من الراع بأنه مسؤؤل عن رعيته، وأننا كلنا على مركب واحد. لابد أن هذا الوعي كله ليس وليد الساعة، لابد أنها فلسفة حياة نشأ عليها الطفل و تربى عليها في المدرسة.  ولكن، اذا كان الامر كذلك، اذا كان السر يكمن في التقيد بفكر حكيم فاننا اذا أولى بهذا التقدم.  اننا نملك عقيدة متكاملة، و هم يملكون فلسفة مادية صماء، انهم أولى بالانهيار... ولكن الامر لا يبدو بهذه السهولة ولا بهذا الوضوح، لابد من وجود خطأ ما، لابد من وجود حلقة ناقصة، وعلي إيجادها.
يتبع...   
  خ.ع.ع

1 comment:

  1. This comment has been removed by a blog administrator.

    ReplyDelete