Friday 29 March 2013

شوق

شوق

تشرق الشمس هنا من بين المنازل لا من الأفق, فكل الأفق أساسا منازل, مدينة لا تعرف لها من الأسس شيئا, فقد بنيت على مبدئها لا على اي مبدأ اخر, كل المدن تكبر و تصبح اجمل لتجد لها عاشقا يقع في حبائلها و لا يستطيع العيش بدونها, إلا هي لم و لن تبحث عن عاشق قط, فهي الوحيدة التي تلد عشاقها.
 
عمان...

حاسوب محمول رمادي اللون, على طاولة خشبية قديمة اللون بتصميم حديث, سماعة اذن صغيرة تخرج من الحاسوب تدخل اذنه, حنطي هو فاتح اللون قليلا عربي الملامح بني الشعر, بنطال الجينز كحلي و "تيشيرت" بني و حذاء خفيف اسود, لا يشبه من حوله في المقهى كثيرا, ينقر على ازرار حاسوبه بسرعة, تقاطعه النادلة بلكزة على كتفه, و بلسان انجليزي اللغة 
و اللكنة تقول:"اعذرني على التاخير" تضع القهوة و تختفي. 

يكمل ما يقوم به, يبحث عن شيء لعلمه, هو ليس من هذه المدينة إلا انه يسكنها, اتى اليها ليعود لوطنه اقوى و اعلم, سنتركه هنا و سأروي انا لكم قصته بسرعة قبل ان تبرد القهوة.

ولد في مدينة شرقية شابة, احبها و احبته, إلا انه عاش فيها عبدا رغما عنه و عنها, إلى ان قرر ان يهجرها, توجه بعد عناء فك الأسر إلى طائرة احس عند دخولها انه يخرج من رحم امه إلى دنيا لا يعرفها, عرف عندها شعور المولود صغيرا يترك امه ليكبر و يعتني بها بعد حين.


 عند وصوله هنا احس فرق الضغط قبل كل شيء, لا حمل على صدرك هنا,مضى لجامعته, استغرب في البداية لم يساعده الجميع, الانه وصل متأخرا, ام انهم يبتسمون له لغاية اخرى, غريب هو و صيد سهل إلى ان يعتاد اسلوبهم, انتظر ان يخدعه احدهم إلى ان اقتنع فعلا ان مساعدة الإنسان هي فعلا ما يريدون, عندها تذكر كيف يعامل الغريب في بلده.


تذكر تعبه في بدايته حياته في مدينته التي احب, تعبه يسرقه مديره, راتبه تسرقه حكومته, ضحكه يسرقه حال بلاده و ما جاورها, انفاسه تضيع بين زفير و زفير بلا شهيق ابدا, إلا ان حبه لعمان لا يقل رغم كل هذا, شوقه يعود به إلى اعلى قمه فيها ليتذكر في نفس الوقت ان الوصول فيه صعب فيتوقف عن ذكراها, تعب الحياة فيها كبير, شوارعها متعرجة جدا لمن لا ينتعل مركبة رباعية الدفع, و هنا في بريطانيا العظمى يشجع الناس على المشي حفاة بلا تقل في اقدامهم, هنا كمن سر النجاح لديهم, سر بيسط جدا, اعمل لترقي بنفسك و امتك, و في بلاده سر النجاح اعمل لتصل يدك لكل جيب في بلدك, لا تعمل و لكن اغتن بالطريقة الأنسب و الأسهل لديك, بع بلادك و لا تقدرها, اسرق سكانها و لا تهتم, المهم ان يصل رصيدك في البنك لحد لا يقدر إلا بحياة بشر ستسأل عنهم يوما.


رغم ذلك و كل ما مر به, لم يجد في الغربة وطنا, جاء ليسلك طريقة و ليتعلم منه كيف يرتقي ببلده لأجلها و لأجل مدينته, لأجل امة اشتاقت للعلو مرة اخرى, اشتاقت كما اشتاق هو لعمان, لشعرها الشمسي يتدلى من وادي السير عند المغيب, جميلة باوردتها تربط صويلح بالمطار, تربط دوار المدينة برغدان, جميلة بدموعها تنذرف من نزال و الزهور لتملأ رأس العين تسقي خلق الله, جميلة بحنان جبل الحسين و جبل عمان و اللويبدة تحتضن وسط البلد خوفا عليه من برد الشتاء, جميلة بضاحية الرشيد و تلاع العلي يطوقات طلاب الجامعة الأردنية غصبا, جميلة تعرف الناس على بعضهم رغما عنهم لثلاث ساعات يقضونها سوية في وصفي التل, جميلة بميادينها الكثيرة تخلق حركة جايرسكوبية تحفظ توازن الجبال فيها, ناصعة بثوب ابيض يخطي جبالها السبع كعروس يوم زواجها, عالية بزاجلها يغادر مرج الحمام ليلتقطه "الكشيشة في ماركا"..

هذه هي قصته.


ينظر هو الأن إلى فنجان قهوته, يعود للنقر سريعا, لينهي بحثا بدأه, يمسك قهوته يرشم رشفة سريعة, يتركها, يعود و ينقر نقرة سريعة, يرفع صوت الموسيقى التي يستمع اليها, صوت ماجدة الرومي يعلو في المقهى تغني:"أعود و كلي حنين أعود, لدار 
الأحبة اليوم عيد".

ح.أ.ج

1 comment:

  1. مشكور ع المقال
    والسؤال شو يقول اللي غربتو في وطنوا وبلدوا صار موطن للاغراب ؟؟
    وانا صراحة لا اراى لاي ارض قدسية ولا خصوصية (طبعا سوا المناطق الثلاث المقدسة ) ووطنك هو المكان اللي بيحترم ادميتك وليس بالضرورة ان يكون الوطن عبارة عن قطعة ارض ممكن يكون شخص فكم من محب وجد وطنو على صدر حبيبوا...

    ReplyDelete